سورة الكهف - تفسير تفسير الماوردي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


قوله عز وجل: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} وفي تسميتهم مساكين أربعة أوجه:
أحدها: لفقرهم وحاجتهم.
الثاني: لشدة ما يعانونه في البحر، كما يقال لمن عانى شدة قد لقي هذا المسكين جهداً.
الثالث: لزمانة كانت بهم وعلل.
الرابع: لقلة حيلتهم وعجزهم عن الدفع عن أنفسهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مِسْكِينٌ رَجُلٌ لاَ امرأة له» فسماه مسكيناً لقلة حيلته وعجزه عن القيام بنفسه لا لفقره ومسكنته.
وقرأ بعض أئمة القراء {لِمَسَّاكِينَ} بتشديد السين، والمساكون هم الممسكون، وفي تأويل ذلك وجهان:
أَحدهما: لممسكون لسفينتهم للعمل فيها بأنفسهم.
الثاني: الممسكون لأموالهم شحاً فلا ينفقونها.
{فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أي أن أُحْدِثَ فيها عيباً.
{وَكَانَ وَرَآءَهُم مَّلِكٌ} في قوله {وَرَآءَهُم مَّلِكٌ} وجهان:
أحدهما: أنه خلفهم، وكان رجوعهم عليه ولم يعلموا به، قاله الزجاج.
الثاني: أنه كان أمامهم. وكان ابن عباس يقرأ: {وَكَانَ أَمَامَمُم مَّلِكٌ}
واختلف أهل العربية في استعمال وراء موضع أمام على ثلاثة أقاويل:
أحدها: يجوز استعماله بكل حال وفي كل مكان وهو من الأضداد، قال الله تعالى {مِن وَرَائِهِم جَهَنَّمُ} أي من أمامهم وقدامهم جهنم قال الشاعر:
أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي *** وقومي تميم والفلاة ورائيا
يعني أمامي.
الثاني: أن وراء يجوز أن يستعمل في موضع أمام في المواقيت والأزمان لأن الإنسان قد يجوزها فتصير وراءه ولا يجوز في غيرها.
الثالث: أنه يجوز في الأجسام التي لا وجه لها كحجرين متقابلين كل واحد منهما وراء الآخر، ولا يجوز في غيره قاله ابن عيسى.
{يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} قرأ ابن مسعود: يأخذ كل سفينة صالحة غصباً. وهكذا كان الملك يأخذ كل سفينة جيدة غصباً، فلذلك عباها الخضر لتسلم من الملك. وقيل إن اسم الملك هُدَد بن بُدَد، وقال مقاتل: كان اسمه مندلة بن جلندى بن سعد الأزدي.


قوله عز وجل: {وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَواهُ مُؤْمِنَيْنَ فَخَشِينآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً} قال سعيد بن جبير: وجد الخضر غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً ظريفاً فأضجعه وذبحه، وقيل كان الغلام سداسياً وقيل أنه أراد بالسداسي ابن ست عشرة سنة، وقيل بل أراد أن طوله ستة أشبار، قاله الكلبي: وكان الغلام لصاً يقطع الطريق بين قرية أبيه وقرية أمه فينصره أهل القريتين ويمنعون منه.
قال قتادة: فرح به أبواه حين ولد، وحزنا عليه حين قتل، ولو بقي كان فيه هلاكهما. قيل كان اسم الغلام جيسور. قال مقاتل وكان اسم أبيه كازير، واسم أمه سهوى.
{فَخَشِينآ أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْياناً وَكُفْراً} فيه ثلاة أوجه:
أحدهما: علم الخضر أن الغلام يرهق أبويه طغياناً وكفراً لأن الغلام كان كافراً قال قتادة: وفي قراءة أُبي {وَأَمَّا الغُلامُ فَكَانَ كَافِراً وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ} فعبر عن العلم بالخشية.
الثاني: معناه فخاف ربك أن يرهق الغلام أبويه طغياناً وكفراً، فعبر عن الخوف بالخشية قال مقاتل: في قراءة أبي {فَخَافَ رَبُّكَ} والخوف ها هنا استعارة لانتفائه عن الله تعالى.
الثالث: وكره الخضر أن يرهق الغلام أبويه بطغيانه وكفره إثماً وظلماً فصار في الخشية ها هنا ثلاثة أوجه:
أحدها: أنها العلم.
الثاني: أنها الخوف.
الثالث: الكراهة.
وفي {يُرْهِقَهُمَا} وجهان:
أحدهما: يكفلهما، قاله ابن زيد.
الثاني: يحملهما على الرهق وهو الجهد. {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا ربهما خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: خيراً منه إسلاماً، قاله ابن جريج.
الثاني: خيراً منه علماً، قاله مقاتل.
الثالث: خيراً منه ولداً.
وكانت أمه حبلى فولدت، وفي الذي ولدته قولان:
أحدهما: ولدت غلاماً صالحاً مسلماً، قاله ابن جريج.
الثاني: ولدت جارية تزوجها نبي فولدت نبياً هدى الله على يديه أمة من الأمم.
{وَأَقْرَبَ رُحْماً} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني أكثر براً بوالديه من المقتول، قاله قتادة، وجعل الرحم البر، ومنه قول الشاعر:
طريدٌ تلافاه يزيد برحمةٍ *** فلم يُلْف من نعمائه يتعذَّرُ
الثاني: أعجل نفعاً وتعطفاً، قال أبو يونس النحوي وجعل الرحم المنفعة والتعطف، ومنه قول الشاعر:
وكيف بظلم جارية... *** ومنها اللين والرحم
الثالث: أقرب أن يرحما به، والرُّحم الرحمة، قاله أبو عَمْرو بن العلاء، ومنه قول الشاعر:
أحنى وأرحمُ مِن أمٍّ بواحدِها *** رُحْماً وأشجع من ذي لبدةٍ ضاري


قوله تعالى: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الَْمَدِينَةِ} زعم مقاتل أن اسم الغلامين صرم وصريم، واسم أبيهما كاشخ، واسم أمهما رهنا، وأن المدينة قرية تسمى عيدشى.
وحقيقة الجدار ما أحاط بالدار حتى يمنع منها ويحفظ بنيانها، ويستعمل في غيرها من حيطانها مجازاً.
{وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} وفي هذا الكنز ثلاثة أقاويل: أحدها: صحف علم، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد.
الثاني: لوح من ذهب مكتوب فيه حِكَم، قاله الحسن، وروى ابن الكلبي عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «{وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا}، كَانَ الكَنزُ لَوحاً مِن ذَهَبٍ مَكْتُوباً فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحِيمِ عَجَبٌ لِّمِنَ يُؤِمِنُ بِالمَوتِ كَيْفَ يَفْرَحُ، عَجَبٌ لِّمَن يُوقِنُ بِالْقَدَرِ كَيْفَ يَحْزَنُ، عَجَبٌ لِّمَن يُوقِنُ بِزَوالِ الدُّنيَا وَتَقَلُّبِهَا بِأَهْلِهَا كَيفَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا، لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ».
الثالث: كنز: مال مذخور من ذهب وفضة، قاله عكرمة وقتادة.
{وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا} قيل إنهما حفظا لصلاح أبيهما السابع، قال محمد بن المنكدر: إن الله تعالى يحفظ عبده المؤمن في ولده وولد ولده وفي ذريته وفي الدويرات حوله. وروى أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
واختلف أهل العلم في بقاء الخضر عليه السلام إلى يوم، فذهب قوم إلى بقائه لأنه شرب من عين الحياة. وذهب آخرون إلى أنه غير باقٍ لأنه لو كان باقياً لعرف، ولأنه لا يجوز أن يكون بعد نبينا صلى الله عليه وسلم نبي وهذا قول من زعم أن الخضر نبي.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14